مرصد النفاد إلي المعلومةدراسات وتقارير

النفاذ الى المعلومة : مفتاح الى الديمقراطية

This post is also available in: الإنجليزية

المقدمة :

يأتي هذا التقرير في إطار تشخيص كمي وكيفي لحالة تطبيق الحوكمة المفتوحة للإدارة التونسية عامة ومؤشر لحالة الانفتاح، وذلك من خلال تطبيق واحد من أهم خصائصها وهو حق النفاذ للمعلومة خاصة في 2021 من قبل الإدارات المركزية واللامركزية، حيث ضمت الإدارات المركزية كل من الوزارات والهيئات الدستورية، وكذلك رأسي السلطة التنفيذية وهما رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى مجلس نواب الشعب، وضمت الادارات اللامركزية البلديات 35 بلدية).

وتزداد أهمية رصد حق النفاذ إلى المعلومة في تونس نظرًا لخصوصية التجربة الديمقراطية التونسية، غير أن دراسة هذا التقرير لم تخلو من التحديات التي تعلقت بعضها بالقانون المنظم واختيار المشرع من خلاله لجملة من آليات التطبيق، والتي قد لا تكون بالنجاعة المرجوة، بينما تعلقت التحديات التي واجهها المركز بالعمل الميداني أي في التفاعل مع الادارة بمختلف أصنافها.

كذلك يجب الذكر ان التأخير في اطلاق عمل مؤشر الانفتاح خلال الفترة السابقة كان  نتيجة إلى العديد من العوامل مثل وباء فيروس كورونا وما نتج عنه من إجراءات احترازية أدت إلى إغلاق كامل لعدة شهور، كذلك العودة للعمل الطبيعي تدريجيًا على مراحل سواء من حيث ساعات العمل أو من حيث العمل بكامل الطاقة الوظيفية لمنع التكدس بالمصالح العمومية، كذلك صاحب فترة العمل على اطلاق المؤشر العديد من الأزمات السياسية التي أثرت بالضرورة على شكل الحكومة النهائي، وكذلك البلديات والهيئات المستقلة، فبعد فترة جفاء وتناحر وصلت إلى عام ما بين رئيس الجمهورية من جانب ورئيسي الحكومة والبرلمان من جانب آخر، وما تلاه من قرارات استثنائية ليلة 25 جويلية/يوليو 2021 وإقالة الحكومة ورئيسها وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، كذلك ما تبعه من اقالة لولاة ورؤساء مُعتمديات.

تعتبر المعلومة في الأنظمة الديمقراطية إحدى أسس الشفافية والحوكمة الرشيدة وحقًا أساسيًا من حقوق الانسان، وهي كذلك أساسية في علاقات الأطراف فيما بينهم كما لها نفس الأهمية والضرورة في علاقة الفرد بالسلطة، ويعتبر ممارسة هذا الحق عنصرًا أساسيًا في تنمية ثقافة المواطنة لدى الأفراد، ووسيلة أساسية لكشف التجاوزات وحالات الفساد فيما يتعلق بالتصرف في المرافق العمومية.

باحثات مركز دعم صحبة المكلف بالنفاذ الى المعلومة في بلدية الخليدية

في هذا الإطار قام مركز دعم بالعمل على مشروع “النفاذ للمعلومة: مفتاح الديمقراطية”، وذلك بإيمان كامل من المركز بأهمية تكريس حق النفاذ للمعلومة على المستوى التطبيقي وإرسائه كقاعدة مجتمعية مواطنية، بهدف تحقق مجتمع ديمقراطي قائم على الوعي ويستند على نهج ومعايير حقوق الانسان، وهو ما أستلزم منا العمل خارج الأطر المركزية المتعارف عليها، وقد سعى مركز دعم إلى تحقيقه من خلال العمل مع منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي بشكل مكثف، وذلك من خلال معسكر تدريبي بغرض تشكيل أول ائتلاف مجتمع مدني محلي يعمل على الحق للنفاذ للمعلومة في تونس، وتتكون النواة الأولى لهذا التحالف من 12 جمعية، تمثل 12 ولاية تونسية.

وبعد إطلاق موقع وين مشات يأتي إطلاق أعمال مؤشر الانفتاح وإصداره كتقرير دوري لقياس حالة الانفتاح في تونس على المستويين المركزي والا مركزي، وذلك كخطوة أولى من مركز دعم لمحاولة ارساء أعمال مؤشر الانفتاح في الدول الثلاثة التي يعمل عليها المركز في الوقت الحالي، ويأمل ان تمتد أعمال هذا التقرير إلى مصر وليبيا في الوقت القريب.

ويعد “مؤشر الانفتاح” مؤشرًا مركبًا يقيس درجة انفتاح الحكومة والمؤسسات في بلد ما على المواطنين والمجتمع، ويعد الانفتاح شرط أساسي للديمقراطية لأنه يتيح للمواطنين الحصول على المعلومات والمعرفة التي يحتاجون إليها للمشاركة في المناقشات العامة واتخاذ قرارات مستنيرة ومساءلة الحكومة وغيرها من المؤسسات.

كما يدعم مؤشر الانفتاح الحوكمة الرشيدة لأنه يسمح للنخب الحاكمة بالنظر في الأفكار والخبرات المنتشرة في المجتمع والاستفادة منها. وتستند الحوكمة المفتوحة إلى أربعة مبادئ تنظيمية: الشفافية، الولوج، النزاهة، والتوعية، وتنطبق هذه المبادئ على جميع مؤسسات الدولة.

مبدأ الشفافية يعني أن الحكومة توفر معلومات عامة واضحة وذات صلة حول ما تقوم به. وتتعلق هذه المعلومات بتنظيم المؤسسات الحكومية وعملها، ولا سيما إجراءات الميزانية والمشتريات العامة. وتمكن الشفافية المواطنين من فهم وتقييم عمل الحكومة، غير أن الشفافية الحكومية قد تقيدها العقبات التي تمنع المواطنين من الوصول إلى المعلومات التي يعتبرونها مهمة، وينبغي أيضًا أن تسعى الحكومة المنفتحة إلى إزالة هذه العقبات واستيعاب شواغل ومطالب المواطنين والمجتمع، ومن ثم، يتطلب مؤشر الانفتاح أن تسعى السلطات العامة إلى توفير جميع الفرص والإجراءات اللازمة للنفاذ للمعلومة.

هناك عقبتان داخليتان إضافيتين أمام حكومة شفافة ومفتوحة.

أولًا: قد يكون لدى موظفي الدولة حوافز لإساءة استخدام مناصبهم العامة من أجل تعزيز المصالح الخاصة، وعلى الرغم من أن الانفتاح نفسه يقلل من هذه الحوافز، فإن المصالح الخاصة يمكن أن تقود الموظفين إلى إخفاء المعلومات التي يتوقع أن يقدموها للمواطنين أو التلاعب بها.

وثانيا: قد تكون مؤسسات الدولة منغلقة ومتشبعة بثقافة السرية التي تمنعها حتى من جمع المعلومات عن نفسها، ولمعالجة هذه العوائق الداخلية، ينبغي أن تتضمن الحكومة المنفتحة مبادئ النزاهة والوعي. إن قواعد وآليات النزاهة تثني أصحاب المكاتب عن السعي لتحقيق مصالح خاصة، يشير الوعي إلى توفر المعلومات والمعارف داخل الحكومة، ويكتسي هذا المبدأ أهمية خاصة بالنسبة للسلطة التنفيذية نظرًا لأنها مكلفة بممارسة سلطة الدولة. لذاك نجد أن الدساتير قد منحت صلاحيات للسلطات التشريعية والقضائية تسمح لها برصد ومراجعة سياسات وإجراءات السلطة التنفيذية. وفيما يتعلق بالبرلمان، فإن الوعي هو قدرة هذه المؤسسة على رصد عمل السلطة التنفيذية.

لكن الوعي يشير أيضًا إلى توفر المعرفة داخل السلطة التنفيذية، أي تبادل المعلومات بين مختلف الوزارات وترتيب المؤسسات التي تمثل جوهر السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء أو مكتب رئيس الحكومة، رئيس الدولة)، وغيرها من المؤسسات. في حين أن الشفافية تجاه المواطنين والولوج والنزاهة والوعي التنظيمي تعزز المساءلة، فإنها لا تغطي المساءلة تمامًا، لأن المساءلة تشمل أيضًا قدرة المواطنين أو ممثليهم على معاقبة الحكومة أو المؤسسة القائمة التي يرون أنها تنتهك مسؤولياتها.

وعليه فإن مؤشر الانفتاح لا يشمل هذا البعد من المساءلة غير أنه يركز على ظروف المعلومات والمعرفة الخاصة بالمساءلة الديمقراطية الجادة، ويتم تقسيم المبادئ الأربعة إلى أسئلة فردية يتم تقييمها على أساس مواقع الويب ومصادر المعلومات العامة الأخرى والمقابلات. ويقيم مؤشر الانفتاح كيفية تحقيق هذه المبادئ الأربعة في المؤسسات، وبما أن هذه المؤسسات تؤدي وظائف مختلفة في عملية الحكم أو صنع السياسات، فإن الأسئلة الفردية يتم تكييفها لتتناسب مع ملامح المؤسسات المعنية سواء من الناحية القانونية او التطبيقية.

والملاحظ من خلال نتائج المؤشر، أنه مازال أمام تونس طريق طويل لتكريس مبادئ النزاهة والوعي والتي غابت بل وكانت نتيجتها صفر سواء على مستوى الوزارات فيما يتعلق بمعيار النزاهة، أو على مستوى البلديات فيما يتعلق بمعيار الوعي.

الملخص التنفيذي

تم العمل خلال هذا التقرير على التشخيص الكمي والكيفي لحالة تطبيق الحوكمة المفتوحة للإدارة التونسية عامة، وذلك بتطبيق واحد من أهم خصائصها وهو حق النفاذ للمعلومة، وذلك خلال الفترة من فيفري/يناير 2021 إلى ديسمبر 2021 من قبل الإدارات المركزية واللامركزية.
حيث ضمت الإدارات المركزية كل من الوزارات التالية:

والهيئات الدستورية التالية:

وكذلك رأسي السلطة التنفيذية وهما رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية اضافة إلى مجلس نواب الشعب الذي يمثل السلطة التشريعية.

أما بالنسبة للإدارات اللامركزية فقد تم العمل على 10% من جملة 350 بلدية وهو ما يمثل 35 بلدية، والذين قد تم اختيارهم حسب 3 معايير وهي:

التوزع السكاني: وقد تم التراوح في الاختيار بين البلديات الأكثر اكتظاظًا بالسكان إلى البلديات الأقل اكتظاظًا بالسكان.

الميزانية التشاركية: وهي شكل من أشكال مشاركة المواطنين في عملية تقرير كيفية إنفاق المال العام.

التهميش: وذلك عبر اختيار بعض البلديات التي تعاني من عدم توفر المياه الصالحة للشرب ومشاكل اجتماعية ومشاكل البنية التحتية.

ويتوزعون بين الولايات الـ 24 بالجمهورية التونسية ويتمثلون في البلديات التالية:

فيما يتعلق بجمع المعلومات تم تقسيم العمل على 4 مؤشرات:

النزاهة

الشفافية

الوعي

النفاذ

وكل مؤشر له نطاقاته الفرعية.

بالنسبة إلى النزاهة: ونجد في هذا النطاق أسئلة متعلقة بمنع تضارب المصالح مثل مدى تصريح المسؤول عن الهيكل عن مكاسبه لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

وتمت عملية حساب وقياس المؤشر في هذا النطاق كالتالي:

الوزارات والهيئات الدستورية: عدد 3 أسئلة ويبلغ المجموع النهائي لهذا النطاق على 3 نقاط.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة: عدد 22 سؤال والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 26 نقطة.

مجلس نواب الشعب: عدد 24 سؤال والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 18 نقطة.

الهياكل اللامركزية (البلديات): عدد 2 سؤال والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 2 نقطة.

الوزارات والهيئات الدستورية

3 أسئلة

3 نقاط

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة

22 سؤال

26 نقطة

مجلس نواب الشعب

24 سؤال

18نقطة

الهياكل اللامركزية (البلديات)

2 أسئلة

2 نقاط

بالنسبة إلى الشفافية: ونجد في هذا النطاق أسئلة متعلقة بالمعلومات التنظيمية التي تتعلق بحالة الموقع الالكتروني، والموارد البشرية، ومدى نشر القرارات والبرامج، ونجد كذلك مدى شفافية الصفقات العمومية، وذلك من خلال نشر وتحيين المعلومات الخاصة بها أخيرًا مثل المعلومات المالية، والميزانية.

وتمت عملية حساب وقياس المؤشر في هذا النطاق كالتالي:

الوزارات والهيئات الدستورية: عدد 20 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 38 نقطة.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة: عدد 36 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو66 نقطة.

مجلس النواب: عدد 44 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 82 نقطة.

الهياكل اللامركزية (البلديات): عدد 34 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 56 نقطة.

الوزارات والهيئات الدستورية

20 سؤال

38 نقطة

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة

36 سؤال

66 نقطة

مجلس نواب الشعب

44 سؤال

82 نقطة

الهياكل اللامركزية (البلديات)

34 سؤال

56 نقطة

بالنسبة إلى الوعي: ونجد في هذا النطاق أسئلة متعلقة برصد مدى رفع تقارير، وايضًا نجد أسئلة حول المخطط الاستراتيجي ومدى وعي الهياكل على المستوى التخطيطي والأدائي.

وتمت عملية حساب وقياس المؤشر في هذا النطاق كالتالي:

الوزارات والهيئات الدستورية: عدد 7 أسئلة، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 7 نقاط.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة: عدد 9 أسئلة، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 13 نقطة.

مجلس نواب الشعب: عدد 11 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 29 نقطة.

الهياكل اللامركزية (البلديات): عدد 6 أسئلة، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 6 نقاط.

الوزارات والهيئات الدستورية

7 أسئلة

7 نقاط

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة

9 أسئلة

13 نقطة

مجلس نواب الشعب

11 سؤال

29 نقطة

الهياكل اللامركزية (البلديات)

6 اسئلة

6 نقاط

بالنسبة إلى النفاذ: ونجد في هذا النطاق أسئلة متعلقة بحالة نفاذ المواطن في أعمال الهياكل المختلفة من خلال تنظيم الاستشارات العامة ومدى تفاعل المواطن معها.

وتمت عملية حساب وقياس المؤشر في هذا النطاق كالتالي:

الوزارات والهيئات الدستورية: عدد 10 أسئلة، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 11 نقطة.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة: عدد 23 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 31 نقطة.

مجلس نواب الشعب: عدد 21 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 23 نقطة.

الهياكل اللامركزية (البلديات): عدد 16 سؤال، والمجموع النهائي لهذا النطاق هو 19 نقطة.

الوزارات والهيئات الدستورية

10 أسئلة

11 نقطة

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة

23 سؤال

31 نقطة

مجلس نواب الشعب

21 سؤال

23 نقطة

الهياكل اللامركزية (البلديات)

16 سؤال

19 نقطة

أما بالنسبة للتمشي الذي اتبعناه هو جمع المعلومات من موقع الهياكل المتعامل معها، والاطلاع على القوانين عند الاقتضاء، والتواصل مع المكلف بالنفاذ إلى المعلومات في كل هيكل هاتفيًا أو عن طريق مقابلته، ثم قمنا بإرسال طلبات الحصول على المعلومات إلى بعض الهياكل.

وفي هذا الإطار قمنا بالتالي:

120

مطلب نفاذ إلى المعلومة بين عامي 2020 و2021

55

مقابلة هاتفية

6

مقابلات شخصية

5

زيارات ميدانية

أولًا: السياق التاريخي للنفاذ للمعلومات في تونس

كشف السياق التاريخي للأحداث في تونس، على أهمية النفاذ إلى المعلومة في زعزعة النظام الدكتاتوري، وقد برز ذلك بشكل خاص خلال أحداث ثورة 2011، حيث سربت آنذاك مجموعة من المواقع والمنظمات الدولية وقامت بنشر انتهاكات وفساد النظام السابق للمخلوع بن علي، وهو ما يوضح أهمية المعلومة وتداولها في نشر الوعي السياسي وفي إحراج النظام وكشفه.

وقد فتحت الثورة التونسية آفاق سياسية وتشريعية جديدة قطعت مع السياسات السابقة القائمة على التعتيم على المعلومة والتحكم فيها وأسست لعلاقة تشاركية جديدة بين مؤسسات الدولة والمواطنين تقوم على حق المواطنين ومنظمات المجتمع المدني في الوصول إلى المعلومات.

وقد قام العمل على هذا التقرير في إطار تكريس مبدأ الشفافية وضمان حق الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في النفاذ إلى المعلومة باعتبارها حقًا دستوريًا تم التنصيص عليه في الفصل 32 من دستور الجمهورية التونسية المؤرخ في 26 جانفي/يناير 2014، كما تنبغي الاشارة إلى أن بوادر تكريس هذا الحق كانت قد برزت منذ سنة 2011 على إثر الثورة من خلال صدور الأمر عدد 41 المؤرخ في 26 ماي/مايو 2011 والمتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للمؤسسات العمومية، وقد تم تنقيحه بالأمر عدد 54 المؤرخ في 11 أفريل/أبريل2011.

إلا أن انتقادات شملت محدودية مجال تطبيق ذلك الأمر، ذلك نظرًا لأنه لم يكرس مفهومًا شاملًا للمعلومة كما تم الاعتماد بشكل مُعقد على الإجراءات المتبعة للنفاذ إلى المعلومة، إضافة إلى غياب هيكل مختص لرقابة حسن سير الإجراءات واحترام ذلك الحق.

لذلك ولتلافي تلك النقائص تم إقرار حق النفاذ إلى المعلومة بمقتضى قانون أساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس 2016، يتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة، وهو القانون الذي كرس مفهومًا شاملًا للمعلومة إذ اعتبر القانون أن النفاذ ممكن في جميع الحالات، للمعلومات التي تخزن في شكل إلكتروني، أو في شكل وثيقة مكتوبة، أو في بنك معلومات، وهذا ما يستخلص من عمومية العبارات الواردة في النص، فمهما كان شكل أو وعاء المعلومة يبقى النفاذ إليها ممكنًا حتى ولو تم إيداعها في الأرشيف.

ومن ناحية أخرى قام القانون برسم حدود ممارسة هذا الحق. كغيره ومثله مثل كل الحقوق فقد وجب الأخذ بعين الاعتبار الحقوق الأساسية الأخرى لوضع أطر ممارستها، ووضع حد للنفاذ المطلق إلى المعلومة والذي قد يشكل خطرًا إما على المجموعة أو على الأفراد. لذلك نص المشرع في إطار الفصلين 24 و25 من ذات القانون على حدود النفاذ إلى المعلومة اذ اعتبر ان المعلومة التي تلحق ضررًا بالأمن العام أو الدفاع الوطني والعلاقات الدولية المتعلقة بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيتها الفكرية.

وفي إطار حماية المعطيات الشخصية، اعتبر المشرع في الفصل 25 من القانون أن المعلومة لا يمكن النفاذ إليها إذا ما تعلقت بهويات أشخاص أبلغوا عن حالات تجاوزات أو فساد. ولكن هذه الضوابط غير مطلقة ذلك أن الجزء الأخير من الفصل 24 ينص على أنه في صورة الرفض يتمّ إعلام طالب النفاذ بذلك بجواب معلّل، وينتهي مفعول الرفض بزوال أسبابه المبينة في الجواب على مطلب النفاذ.

تجدر الإشارة أن هذا التكريس التشريعي على أهميته قد لا يكون كافيًا لتفعيل الحق في النفاذ إلى المعلومة إذا لم تفهم مختلف الأطراف المتداخلة مضمون هذا الحقّ ومقوماته وأبعاده وحدوده والآليات والمؤسسات الضامنة له.

لعل أكبر عائق لتطبيق ناجح لقانون النفاذ إلى المعلومة هو انتهاء الاجراءات إلى المحكمة الإدارية، وتتعهد المحكمة الادارية بالطعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة أمام الدوائر الاستئنافية، وينظم الفصلين 59 و66 من قانون عدد 40 لسنة 1972 والمؤرخ في غرة جوان/يونيو 1972 المتعلق بالمحكمة الإدارية، ويتم رفع هذا الطعن في أجل قدره 30 يومًا من تاريخ الإعلام بقرار الهيئة، على أن يتم تقديم الطعن في قرارات هيئة النفاذ إلى المعلومة بواسطة محام لدى التعقيب أو لدى الاستئناف، وتعتبر المركزية المفرطة من أهم العوائق التي تحول دون تمكين ناجع للمواطن للنفاذ إلى الإجراءات القانونية، حيث تتركز المحكمة بتونس العاصمة وتزيد اجبارية حضور المحامي من صعوبة الموصلية ليس لحق النفاذ إلى المعلومة فقط، بل يتجاوزه لينال من حق النفاذ إلى قضاء قريب (le juge de proximité) ومنصف وعادل، كما تلقي حدود إجراءات القضاء الإداري بظلالها على حق النفاذ إلى المعلومة، فيُمثل شح الموارد البشرية عاملًا آخر يُبطئ من إجراءاتها والتي قد تصل لمدة 6 سنوات.

كذلك اختار المشرع التونسي منذ 2014 تكريس اللامركزية دستوريًا، فتمثل السلطة المحلية منظومة تنمية اقتصادية واجتماعية بامتياز، قطعت مع السلطة المركزية التي حكمت البلاد التونسية خلال الـ 70 عامًا الأخيرة، أي منذ الاستقلال، فالعمل الذي قامت به البلديات خلال السنوات الماضية منذ الانتخابات البلدية سنة 2018 لم تقم به السلطة المركزية خلال 70 عامًا.

ثانيًا: السلطة المحلية في تونس ما بعد الحالة الاستثنائية وأثر ذلك على النفاذ للمعلومات

غير أنه وعلى إثر احداث 25 جويلية/يوليو 2021 صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، في عددها المنشور يوم الأربعاء 24 نوفمبر 2021، أمر رئاسي يتعلق بحذف وزارة الشؤون المحلية بإحالة مشمولات وإلحاق هياكلها المركزية والجهوية بوزارة الداخلية.

“ينص الأمر الرئاسي على أن صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية ومركز التكوين ودعم اللامركزية يخضع إلى إشراف وزارة الداخلية”

ووَّرد فيه أن أحكام هذا الأمر الرئاسي تدٌخل حيز النفاذ بداية من 11 أكتوبر 2021، وهو تاريخ تسلم حكومة نجلاء بودن مهامها.

هذا وقد أثار إلغاء الشؤون المحلية والبيئة من التشكيلة الحكومية الجديدة في تونس تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل السلطة المحلية وسط مخاوف من انتكاسة المسار، هذا بالإضافة إلى ان البلديّات شهدت تشرذمًا غير مسبوق في قراءتها للوضع بين أقلّيّة معارضة “لكلّ القرارات غير الدستورية والانقلابية لرئيس الجمهوريّة” وأغلبيّة داعمة التدابير الاستثنائية معتبرة إيّاها من قبيل “تصحيح المسار”.

وكتبعات متأتية من جراء هذا الحدث، فقد وجدت بعض البلديات نفسها في وضعية ضبابية، غير واثقة من المسار الذي ستنتهجه من الآن فصاعدا خاصة بسبب التغييرات التي حصلت على مستوى رؤساء البلديات، ولعل أبرز مثال على ذلك بلدية حمام سوسة فهذه التغييرات كانت كفيلة لعرقلة اللجوء إلى المعلومة وهذا ما لاحظناه عند القيام بالعمل الميداني حيث ان ارسال المطالب أو القيام بمقابلة معهم لم يكن بالصيغ المعمول بها سابقًا حيث تطلب الأمر الحصول على إذن مسبق من الكاتب العام.

مع هذا لابد من الاشارة إلى ان اللجوء إلى المعلومة في بقية البلديات التي تناولها التقرير لم تطرح مشكلة حتى في خضم الفترة الموالية لـ 25 جويلية/يوليو بل كانوا أكثر تجاوبًا من قبل، كما تمكنا من إمكانية القيام بمكالمات هاتفية مع المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة في كل من بلدية (تطاوين، بلدية، الشيحية، بلدية، تازركة، بلدية، ميدون، جربة، بلدية، والزريبة) ووجود ليونة في التعامل، أي امكانية ارسال الملفات المطلوبة دون وجوبية ارسال مطلب النفاذ إلى المعلومة وهذا من شأنه أن يسهل التعامل مثل بلدية جمنة.

نقطة أخرى من المهم التطرق إليها هي أن المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة كانوا جدٌيين في عملهم وكانوا ملمين بجميع نواحيه ومستعدين إلى مدنا بكل ما نستحقه من معلومات وبيانات.

أما بالنسبة للوزارات فقد مثلت قرارات 25 جويلية/يوليو 2021 في تونس نقلة نوعية بالنسبة إلى العديد منها، وذلك بسبب اقالة الحكومة والوزراء آنذاك، وتولى الكُتاب العامون، أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية، بالإضافة إلى تعيين مكلفين بتسيير بعض الوزارات من قبل رئيس الجمهورية لحين تسمية الحكومة الجديدة وأعضائها في 11 أكتوبر 2021، وهو الأمر الذي جعل العمل الوزاري يعيش عدم استقرار خصوصًا في تلك الفترة الفاصلة بين اقالة الحكومة وتعيين الحكومة الجديدة.

كان العمل التطبيقي للتقرير من ارسال مطالب النفاذ إلى المعلومة، أو اجراء مكالمات هاتفية مع المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة، أو مقابلتهم بين فترة اقالة الحكومة وفترة تعيين الحكومة الجديدة، وهو ما جعل تحديات عديدة تنشُب، وتجدر الاشارة ان اغلب الوزارات لم تكن متجاوبة اثناء اجراء المكالمات الهاتفية، وذلك إما بسبب غياب المعلومة أو بسبب عدم مشاركة المعلومة دون تلقي مطلب النفاذ إلى المعلومة.

وقد بدأنا العمل بالتقرير من خلال الوزارات السيادية أولًا والتي تتمثل أساسًا في وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، وكانت وزارة الداخلية الأكثر تجاوبًا وانفتاحًا على المعلومات المتاحة  خلال الحوار الهاتفي الذي جمع الباحثين بالمكلف بالنفاذ إلى المعلومة، أما وزارة الدفاع فرفضت مشاركة المعلومة هاتفيًا ولكن حصريًا إما عبر ارسال المعلومات المطلوبة عبر مطلب النفاذ إلى المعلومة، أو عبر استمارة الكترونية منشورة على موقعها الرسمي، وبالفعل قامت الوزارة بالرد الكترونيًا بعدم تواجد بعض المعلومات لديها، وبرفض نشر التقرير السنوي لأداء مهمة الدفاع لكونه مشمول بالاستثناءات المنصوص عليها في الفصل 24 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس، والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة دون تحديد طبيعة الاستثناء، وتجدر الاشارة ان الفصل 24 يتعلق بالمعلومة التي تلحق ضررًا بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيتها الفكرية، وتشير الفقرة التالية من ذات الفصل أن هذه الاستثناءات لا تكون مطلقة بل مقيدة، وينبغي على رافض طلب النفاذ إلى المعلومة تعليل اجابته.

بالنسبة لبقية الوزارات وقبل ارسال مطالب النفاذ إلى المعلومة، قمنا بزيارة البعض منها لإجراء لقاءات مع مسؤولي النفاذ إلى المعلومة لان الأسئلة التي أردنا طرحها يمكن الإجابة عنها دون اللجوء إلى مطلب نفاذ مثل: هل قامت الوزارة بإجراء تدريب لمسؤولي النفاذ إلى المعلومة لديها؟

ورغم ذلك جوبهت زيارتنا بالرفض وذلك لغياب المراسلة المسبقة، وهو ما حصل في وزارة المرأة والأسرة حيث رفضت كاتبة رئاسة الديوان السماح لنا بمقابلة المكلف بالنفاذ إلى المعلومة دون مراسلة مسبقة، وبعد القيام بإرسال مراسلات لم يتم التواصل معنا لتحديد موعد الزيارات وربما يفسر ذلك بالتذبذب الذي كانت تعيشه الوزارات في تلك الفترة.

لذلك كانت مطالب النفاذ إلى المعلومة السبيل الوحيد للوصول إلى المعلومة، وبالفعل كان التجاوب أسهل بالمطالب بالنسبة لبعض الوزارات، والبعض الآخر رد بعد ارسال طلب التظلم، ونسبة ضئيلة لم تجب حتى بعد ارسال مطالب التظلم.

وأخيرًا بالنسبة للهيئات، فقد برزت الهيئات المستقلة في البداية على شكل هيئات إدارية مستقلة، ثمة تحولت إلى هيئات عمومية مستقلة وفي الأخير تحولت إلى هيئات دستورية مستقلة، وتمثل الهيئات المستقلة شكلًا جديدًا من التنظيم للهياكل العمومية يجمع بين بعض القواعد الديمقراطية والتصرف الإداري الحديث تقوم على مفاهيم النجاعة والحياد والشفافية في إدارة الشأن العام.

وحيث تجدر الاشارة إلى ان هذه الهيئات لم يتغير العمل لديها سواء في فترة ما قبل 25 جويلية/يوليو أو ما بعدها وذلك لغياب العنصر البشري واللوجستي لديها، وكمثال لغياب العنصر البشري في الهيئات نذكر الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية حيث يبلغ عدد العاملين بها ثلاث موظفين باعتبار رئيس الهيئة، وهذا من شأنه أن يعطل عمل الهيئة، ويجدر التطرق ايضًا انه عند التعامل مع الهيئات يغيب عنصر الليونة حيث انه للحصول على بيانات معينة لتدعيم الأجوبة فإنه لابد من ارسال مطلب النفاذ إلى المعلومة على عكس التعامل مع البلديات.

ثالثُا: تطبيق قانون النفاذ للمعلومة مركزيًا ولا مركزيًا

ولئن الإطار النظري للنفاذ إلى المعلومة يعتبر جد استثنائي في المنطقة، فإن حدوده التطبيقية وآليات تطبيقه تدفعنا عند التقييم للسؤال التالي: ما مدى تطبيق قانون النفاذ للمعلومة في علاقة الإطارين المركزي واللامركزي لتفعيله؟

اتبع مركز دعم في تقصي عناصر مؤشر النفاذ للمعلومة في ظل تطورات النظام السياسي التونسي خاصة في علاقة مع تعامل الإدارات خلال فترة الكوفيد-19 المنهجية التالية:

في البداية، قام الباحثون برصد المواقع الالكترونية الرسمية للبلديات، الوزارات، والهيئات الدستورية، وتم تجميع المعلومات المتوفرة في تلك المواقع، تجدر الاشارة وأنه من أجل توفير معلومات دقيقة، قام الباحثون بتحديث رصد هذه المعلومات كل 40 يومًا، ويتمثل تقصي هذه المعلومات على المواقع الالكترونية لهذه المؤسسات من خلال في رصد المعلومات التنظيمية مثل مدى تحيين الموقع، مدى نشر البيانات المالية والمعلومات الخاصة بالصفقات العمومية.. الخ،،

بعد مرحلة الرصد الالكتروني، قام الباحثون بتنظيم حوارات هاتفية مع المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة لرصد معلومات تطبيقية مختلفة مثل مدى مشاركتهم في تدريب حول النفاذ إلى المعلومة، أو مدى مشاركة رئيس البلدية لقراراته مع بقية أعضاء المجلس البلدي.

ثم في مرحلة اخرى قام الباحثون بزيارات ميدانية لدى بعض البلديات والوزارات التي لم يتمكنوا من الوصول إليهم هاتفيًا مثل بلدية حمام سوسة، وبلدية الخليدية، وقد تم استقبال باحثو المركز من قبل رئيسة بلدية الخليدية السيدة منية عجال التي وفرت المعلومات اللازمة، كما عبرت عن مخاوفها من مدى تأثير إلغاء وزارة الشؤون المحلية على عمل البلديات، وعلى مستقبل اللامركزية في تونس، أما بالنسبة إلى بلدية حمام سوسة فلم يتمكن المكلف بالنفاذ إلى المعلومة من استقبال الباحثون لأنه اعتبر أنه لا يملك صلاحية إجراء حوار معهم خصوصًا في ذلك الظرف السياسي الذي شهد إقالات عدة لعدد من الولاة. ولكن تم استقبال الباحثون من قبل الكاتب العام الذي أجاب عن الاسئلة المطروحة.

عند التعامل مع الوزارات، كان من المستحيل إجراء حوار أو مقابلة مسؤول دون ارسال رسالة مسبقًا، وهو ما جعل اللجوء لمطالب النفاذ إلى المعلومة ضروريًا، وعلى إثر هذا تم ايداع 20 مطلب نفاذ للمعلومة لدى الوزارات، وبعد انتهاء المدة القانونية والمتمثلة في الانتظار لمدة 20 يومًا تلقينا ردًا من بعض الوزارات مثل وزارة النقل، ووزارة الدفاع، وبالنسبة للبقية قمنا بإيداع مطالب تظلم لدى الوزارات المعنية، وتلقينا في الغرض البيانات المطلوبة كإجابة لمطلب التظلم ومطلب النفاذ إلى المعلومة من بعض الوزارات، وكمثال يمكن ذكره وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة السياحة والصناعات التقليدية، ووزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية.

كما قمنا بالطعن لدى الهيئة في خصوص الوزارات التي لم تجب لا على مطلب النفاذ إلى المعلومة، ولا على مطلب التظلم، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الشؤون الدينية، وزارة الصحة، وزارة التجارة وتنمية الصادرات، ووزارة البيئة، إلا أن تلك الطعون التي قُدٌمت إلى هيئة النفاذ إلى المعلومة لم يتم الرد عليها من حتى الآن من قبل الهيئة.

أما في خصوص الهيئات فقد تم اتباع نفس التمشي والمتمثل في إيداع 3 مطالب نفاذ إلى المعلومة، ومطالب تظلم تم إيداعها في مكتب الضبط الخاص بكل من الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وقد تم تلقي البيانات المطلوبة.

يجب الاشارة إلى ان الوزارات والهيئات التي لم يقع إيداع مطلب نفاذ إلى المعلومة في خصوصها، ذلك بسبب اننا وجدنا جميع البيانات والمعلومات التي نحتاجها منشورة على موقعها الرسمي.

كما تجدر الاشارة كذلك أنه من أجل إطلاق وإصدار مؤشر الانفتاح في تونس، اختار مركز دعم ما نعتبره أساسيات الحوكمة المفتوحة الفعالة. وعليه، أشتمل التقرير على أربعة معايير محددة وهي: الشفافية، الوصول إلى المعلومة، النزاهة، والوعي.

يتضمن التقرير في جزئيه (تطبيق قانون النفاذ للمعلومة مركزيًا، تطبيق قانون النفاذ للمعلومة لا مركزيًا) رصدًا لمدى أعمال هذه المبادئ بـ 35 بلدية، وكل الحقائب الوزارية، إلى جانب الهيئات المستقلة، ورئاستي الحكومة والجمهورية، ومجلس النواب الذي تم تجميد أعماله.

1- تطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة مركزيا

في إطار مخطط بياني يشير إلى تطبيق النفاذ إلى المعلومة في كل من الوزارات والهيئات ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب، نتبين أن:

أ - تطبيق الوزارات  لقانون النفاذ للمعلومة

الوزارات

الوعي
57.14%
النزاهة
0%
النفاذ
45.45%
الشفافية
28.94%

في خصوص الوزارات قمنا باستخراج معدل الوزارات جمعاء في كل من الشفافية والنفاذ والنزاهة والوعي ويعود ذلك إلى أنه لا يمكن العمل على وزارة واحدة وذلك نظرًا للتباين في النتائج ولضمان أكثر دقة اعتمدنا هذه الطريقة، وتبعًا لذلك نجد أن المعدلات التقريبية جاءت كالتالي:

الشفافية: لدى الوزارات عند التعامل معها من خلال النفاذ إلى المعلومة بلغ 11 من جملة 38 (round number for 10.79) وبنسبة 28.9% وهي نتيجة غير مرضية لأنها لم ترتقي حتى إلى ⅓ من المجموع.

النفاذ: فقد بلغ المعدل التقريبي 5 من جملة 11 (rondeur number for 4.7) بنسبة 45.45% وهي نتيجة قابلة إلى التحسن حيث أنها قريبة من ½.

النزاهة: فنجد علامة استفهام كبيرة حيث أن نتيجة قياس مؤشرات هذا المعيار بلغت الصفر!!.

الوعي: فان النتيجة التقريبية المتحصل عليها بلغت 4 من أصل 7 (rounded number for 3.83) بنسبة 57.14% ويمكن اعتبارها كنتيجة مرضية قابلة للتحسن.

شهد المخطط البياني لتطبيق النفاذ إلى المعلومة في الوزارات تذبذبًا وتباينًا بين مكونات النفاذ إلى المعلومة والتي على إثرها تم تقييم هذا النفاذ، وفي هذا الخصوص يجدر الاشارة إلى ان هذه النتيجة يمكن تفسيرها بالعودة إلى جملة من الاسباب والمبررات نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: غياب تصريح اغلب الوزراء مكاسبهم وعدم نشر الاستراتيجيات.

فيما يلي مثال مخطط بياني لوزارتان تختلفان من حيث المجموع المتحصل عليه في كل من الشفافية، النفاذ، النزاهة، وكذلك الوعي، وقمنا بهذا الاختيار للتأكيد على انه هناك صنفان من الوزارات، فنجد الصنف الأول وزارات كانت متعاونة ومتجاوبة عند إيداع مطالب نفاذ إلى المعلومة مثل وزارة المالية، وهو ما أسفر عنه ارتفاع نسبي في مجموعها الذي تحصلت عليه مقارنة ببعض الوزارات الصنف الثاني، وهي الوزارات التي لم تبد نفس التجاوب في تعاملها مع مطالب النفاذ إلى المعلومة، وكمثال على ذلك تناولنا وزارة سيادة والمتمثلة في وزارة الدفاع ولكن يمكن تفهم هذا النقص من خلال الطبيعة الحساسة لمعلومات وزارة الدفاع.

وزارة المالية

الوعي
71.42%
النزاهة
0%
النفاذ
54.54%
الشفافية
44.73%

وزارة الدفاع

الوعي
0%
النزاهة
0%
النفاذ
45.45%
الشفافية
21.05%
ب - تطبيق الهيئات لقانون النفاذ للمعلومة

الهيئات

الوعي
14.28%
النزاهة
0%
النفاذ
45.45%
الشفافية
26.31%

في خصوص الهيئات قمنا باستخراج معدل الهيئات جمعاء في كل من الشفافية، النفاذ، النزاهة، والوعي ويعود ذلك إلى أنه لا يمكن العمل على هيئة واحدة وذلك نظرًا للتباين في النتائج ولضمان أكثر دقة اعتمدنا هذه الطريقة. وتبعًا لذلك نجد أن المعدلات التقريبية جاءت كالتالي:

الشفافية: المعدل التقريبي عند الهيئات بلغ 10 من أصل 38 (rounded number for 10.2) بنسبة 26.31% وهي نتيجة تعبر عن جملة من النقائص التي تحول دون ارتقائها إلى نسبة مرضية.
النفاذ:فقد بلغ المعدل التقريبي 5 (round number for 4.8) من أصل 11 بنسبة وهذه النتيجة متوسطة يمكن قبولها حيث انها تعادل 45.45%.
ولكن عند التعامل مع معياري النزاهة والوعي فقد سجلنا رقمين مخيبين والمتمثلين على التوالي في: 0 و1، يمكن تبرير هذه الأرقام من خلال جملة من الأسباب منها غياب محاضر اجتماعات اغلب الهيئات، وعدم نشر التقارير المالية هو ما يمكن أن يفسر هذا التدني في النتائج.

يجدر الاشارة إلى ان هناك بعض الهيئات التي لعبت فيها قلة الموارد البشرية عاملًا هامًا في تعطل أعمالها، وكمثال نذكر هيئة حماية المعطيات الشخصية.

هيئة النفاذ الى المعلومة

الوعي
28.57%
النزاهة
0%
النفاذ
45.45%
الشفافية
34.21%
ج - تطبيق مجلس نواب الشعب لقانون النفاذ للمعلومة

مجلس نواب الشعب

الوعي
45%
النزاهة
13%
النفاذ
65%
الشفافية
86%

في خصوص المخطط البياني لتطبيق النفاذ إلى المعلومة في مجلس نواب الشعب المعلق اختصاصاته حاليًا منذ 25 جويلية/يوليو 2021 على أثر الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد نجد ان نسبة النفاذ بلغت 17 من 23 (74%) تليها الشفافية، الوعي، وأخيرًا نجد النزاهة التي مثلت أقل نسبة مقارنة ببقية المؤشرات ويبلغ مجموع كل منهم على التوالي 48 من 82 (59%)، 8 من 18 44)%)،11 من 29 (38%).

كاستنتاج عام، تعتبر هذه النتائج جيدة، ومع ذلك قد تكون قابلة للتحسين في بعض المجالات.

د - تطبيق رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لقانون النفاذ للمعلومة

رئاسة الجمهورية

الوعي
45%
النزاهة
13%
النفاذ
65%
الشفافية
86%

رئاسة الحكومة

الوعي
45%
النزاهة
13%
النفاذ
65%
الشفافية
86%

عند التعامل مع كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة نلاحظ تقارب وتشابه على مستوى النتائج في كل من معيار الشفافية، النفاذ، النزاهة، والوعي، ففي الشفافية نلاحظ تسجيل نفس النتيجة 29 من 66 (44%)، أما في النفاذ نجد أن رئاسة الجمهورية سجلت 14 من 31 (45%)، في حين سجلت رئاسة الحكومة 13 من 31 (42%)، أما في خصوص النزاهة والوعي فقد سجلت رئاسة الجمهورية على التوالي 9 من 26 (35%)، و4 من 13 (31%)، في حين سجلت رئاسة الحكومة على التوالي 8 من 26 (31%)، و3 من 13 (23%)، على هذا المستوى نلاحظ أن النتيجة في كلا الرسمين البيانيين متقاربة.

هناك تفسير تاريخي لهذا التشابه حيث انه ينبع من تاريخ ربط رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى، وتطبيقيًا انعدم الفصل بينهما، وهذا كان نتاجًا لما ترسخ في الأذهان منذ زمن بورقيبة.

يبدو أن التحليل الفعال لمدى تطبيق قانون النفاذ للمعلومة لا يكون على استقامة دون التعريج على نتائج اللامركزية في تونس، مرد ذلك هو ما تم استثماره من جهد محمود في تكريس اللامركزية من تشريعات ونصوص تطبيقية إلى جانب الرقابة والحرص على تفعيلها من طرف المجتمع المدني طيلة العشرية الفارطة.

2- تطبيق قانون النفاذ إلى المعلومة لامركزيا

البلديات

الوعي
25%
النزاهة
22%
النفاذ
42%
الشفافية
37%

كما هو مبين، انه عند التعامل مع البلديات نلاحظ ان اغلب البلديات كانت شفافة في تعاملها، ولكن تبقى هذه النسبة غير كافية ومازالت بعيدة عنما هو منشود فهي قابلة للتحسن، أما في خصوص النفاذ نجد ان اغلب البلديات تقوم بنشر كل البيانات اللازمة على موقعها الإلكتروني، باستثناء بعض البلديات التي لم تنشر كافة الوثائق ويمكن تفسير هذا من خلال الصعوبات المادية وقلة الموارد البشرية التي تعاني منها.

بالنسبة إلى النزاهة نجد ان بعض المواقع لا تحتوي على آليات عامة للإبلاغ على التجاوزات على سبيل المثال.

أما في خصوص الوعي فقد سجلنا نتيجة مخيبة وهذا يمكن تفسيره من خلال ارتفاع نسبة التهميش في بعض المناطق.

في الختام، لا تعكس هذه النتائج فقط مدى تطبيق حق النفاذ إلى المعلومة في هذه الهياكل، ولكن أيضًا مستوى الشفافية والنزاهة والوعي، وذلك ليكتمل قياس مؤشر مدى الانفتاح لتلك الهيئات والمؤسسات على المستويين المركزي والا مركزي.

تطبيقيًا، كانت البلديات من أكثر الهياكل المتعاونة والمتجاوبة من حيث الرد على مطالب النفاذ، أو الرد على تساؤلاتنا من خلال الاتصالات الهاتفية، أو المقابلات المباشرة.

ونخص بالذكر بلدية الزريبة، جمنة، الشيحية، الخليدية، المرسى، الكريب، حمام سوسة، ميدون جربة، فوشانة، منوبة، واد الليل، مدنين، تطاوين، وهنا تجدر الاشارة ان هذه القائمة ليست حصرية.

بالنسبة لبقية الهياكل، فقد كان البعض منها متعاونًا من حيث الرد على مطالب النفاذ والبعض الاخر لم يرد على المطالب مثل وزارة الصحة.

يمكن ان يتم فهم هذه النتائج وربطها بالمناخ السياسي الغير مستقر منذ 25 جويلية/يوليو 2021، تاريخ تجميد اعمال البرلمان وإقالة الحكومة، حيث شهد عمل الوزارات تذبذبًا إلى حين تعيين الحكومة الجديدة لاحقًا، هذا بالاضافة إلى الوضع الصحي الحساس الذي عاشته تونس في فترة ذروة الوباء صيف 2021، والذي أثر سلبًا على عمل الادارات وعلى الوضع الاقتصادي الوطني.

التوصيات
الملاحق
رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب
الهيئات الدستورية
الوزارات
الادارات اللامركزية (البلديات)

This post is also available in: الإنجليزية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *