غير مصنف

ثانيًا: السلطة المحلية في تونس ما بعد الحالة الاستثنائية وأثر ذلك على النفاذ للمعلومات

غير أنه وعلى إثر احداث 25 جويلية/يوليو 2021 صدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، في عددها المنشور يوم الأربعاء 24 نوفمبر 2021، أمر رئاسي يتعلق بحذف وزارة الشؤون المحلية بإحالة مشمولات وإلحاق هياكلها المركزية والجهوية بوزارة الداخلية.

“ينص الأمر الرئاسي على أن صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية ومركز التكوين ودعم اللامركزية يخضع إلى إشراف وزارة الداخلية”

ووَّرد فيه أن أحكام هذا الأمر الرئاسي تدٌخل حيز النفاذ بداية من 11 أكتوبر 2021، وهو تاريخ تسلم حكومة نجلاء بودن مهامها.

هذا وقد أثار إلغاء الشؤون المحلية والبيئة من التشكيلة الحكومية الجديدة في تونس تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل السلطة المحلية وسط مخاوف من انتكاسة المسار، هذا بالإضافة إلى ان البلديّات شهدت تشرذمًا غير مسبوق في قراءتها للوضع بين أقلّيّة معارضة “لكلّ القرارات غير الدستورية والانقلابية لرئيس الجمهوريّة” وأغلبيّة داعمة التدابير الاستثنائية معتبرة إيّاها من قبيل “تصحيح المسار”.

وكتبعات متأتية من جراء هذا الحدث، فقد وجدت بعض البلديات نفسها في وضعية ضبابية، غير واثقة من المسار الذي ستنتهجه من الآن فصاعدا خاصة بسبب التغييرات التي حصلت على مستوى رؤساء البلديات، ولعل أبرز مثال على ذلك بلدية حمام سوسة فهذه التغييرات كانت كفيلة لعرقلة اللجوء إلى المعلومة وهذا ما لاحظناه عند القيام بالعمل الميداني حيث ان ارسال المطالب أو القيام بمقابلة معهم لم يكن بالصيغ المعمول بها سابقًا حيث تطلب الأمر الحصول على إذن مسبق من الكاتب العام.

مع هذا لابد من الاشارة إلى ان اللجوء إلى المعلومة في بقية البلديات التي تناولها التقرير لم تطرح مشكلة حتى في خضم الفترة الموالية لـ 25 جويلية/يوليو بل كانوا أكثر تجاوبًا من قبل، كما تمكنا من إمكانية القيام بمكالمات هاتفية مع المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة في كل من بلدية (تطاوين، بلدية، الشيحية، بلدية، تازركة، بلدية، ميدون، جربة، بلدية، والزريبة) ووجود ليونة في التعامل، أي امكانية ارسال الملفات المطلوبة دون وجوبية ارسال مطلب النفاذ إلى المعلومة وهذا من شأنه أن يسهل التعامل مثل بلدية جمنة.

نقطة أخرى من المهم التطرق إليها هي أن المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة كانوا جدٌيين في عملهم وكانوا ملمين بجميع نواحيه ومستعدين إلى مدنا بكل ما نستحقه من معلومات وبيانات.

أما بالنسبة للوزارات فقد مثلت قرارات 25 جويلية/يوليو 2021 في تونس نقلة نوعية بالنسبة إلى العديد منها، وذلك بسبب اقالة الحكومة والوزراء آنذاك، وتولى الكُتاب العامون، أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية، بالإضافة إلى تعيين مكلفين بتسيير بعض الوزارات من قبل رئيس الجمهورية لحين تسمية الحكومة الجديدة وأعضائها في 11 أكتوبر 2021، وهو الأمر الذي جعل العمل الوزاري يعيش عدم استقرار خصوصًا في تلك الفترة الفاصلة بين اقالة الحكومة وتعيين الحكومة الجديدة.

كان العمل التطبيقي للتقرير من ارسال مطالب النفاذ إلى المعلومة، أو اجراء مكالمات هاتفية مع المكلفين بالنفاذ إلى المعلومة، أو مقابلتهم بين فترة اقالة الحكومة وفترة تعيين الحكومة الجديدة، وهو ما جعل تحديات عديدة تنشُب، وتجدر الاشارة ان اغلب الوزارات لم تكن متجاوبة اثناء اجراء المكالمات الهاتفية، وذلك إما بسبب غياب المعلومة أو بسبب عدم مشاركة المعلومة دون تلقي مطلب النفاذ إلى المعلومة.

وقد بدأنا العمل بالتقرير من خلال الوزارات السيادية أولًا والتي تتمثل أساسًا في وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، وكانت وزارة الداخلية الأكثر تجاوبًا وانفتاحًا على المعلومات المتاحة  خلال الحوار الهاتفي الذي جمع الباحثين بالمكلف بالنفاذ إلى المعلومة، أما وزارة الدفاع فرفضت مشاركة المعلومة هاتفيًا ولكن حصريًا إما عبر ارسال المعلومات المطلوبة عبر مطلب النفاذ إلى المعلومة، أو عبر استمارة الكترونية منشورة على موقعها الرسمي، وبالفعل قامت الوزارة بالرد الكترونيًا بعدم تواجد بعض المعلومات لديها، وبرفض نشر التقرير السنوي لأداء مهمة الدفاع لكونه مشمول بالاستثناءات المنصوص عليها في الفصل 24 من القانون الأساسي عدد 22 لسنة 2016 المؤرخ في 24 مارس، والمتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة دون تحديد طبيعة الاستثناء، وتجدر الاشارة ان الفصل 24 يتعلق بالمعلومة التي تلحق ضررًا بالأمن العام أو بالدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية فيما يتصل بهما أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيتها الفكرية، وتشير الفقرة التالية من ذات الفصل أن هذه الاستثناءات لا تكون مطلقة بل مقيدة، وينبغي على رافض طلب النفاذ إلى المعلومة تعليل اجابته.

بالنسبة لبقية الوزارات وقبل ارسال مطالب النفاذ إلى المعلومة، قمنا بزيارة البعض منها لإجراء لقاءات مع مسؤولي النفاذ إلى المعلومة لان الأسئلة التي أردنا طرحها يمكن الإجابة عنها دون اللجوء إلى مطلب نفاذ مثل: هل قامت الوزارة بإجراء تدريب لمسؤولي النفاذ إلى المعلومة لديها؟

ورغم ذلك جوبهت زيارتنا بالرفض وذلك لغياب المراسلة المسبقة، وهو ما حصل في وزارة المرأة والأسرة حيث رفضت كاتبة رئاسة الديوان السماح لنا بمقابلة المكلف بالنفاذ إلى المعلومة دون مراسلة مسبقة، وبعد القيام بإرسال مراسلات لم يتم التواصل معنا لتحديد موعد الزيارات وربما يفسر ذلك بالتذبذب الذي كانت تعيشه الوزارات في تلك الفترة.

لذلك كانت مطالب النفاذ إلى المعلومة السبيل الوحيد للوصول إلى المعلومة، وبالفعل كان التجاوب أسهل بالمطالب بالنسبة لبعض الوزارات، والبعض الآخر رد بعد ارسال طلب التظلم، ونسبة ضئيلة لم تجب حتى بعد ارسال مطالب التظلم.

وأخيرًا بالنسبة للهيئات، فقد برزت الهيئات المستقلة في البداية على شكل هيئات إدارية مستقلة، ثمة تحولت إلى هيئات عمومية مستقلة وفي الأخير تحولت إلى هيئات دستورية مستقلة، وتمثل الهيئات المستقلة شكلًا جديدًا من التنظيم للهياكل العمومية يجمع بين بعض القواعد الديمقراطية والتصرف الإداري الحديث تقوم على مفاهيم النجاعة والحياد والشفافية في إدارة الشأن العام.

وحيث تجدر الاشارة إلى ان هذه الهيئات لم يتغير العمل لديها سواء في فترة ما قبل 25 جويلية/يوليو أو ما بعدها وذلك لغياب العنصر البشري واللوجستي لديها، وكمثال لغياب العنصر البشري في الهيئات نذكر الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية حيث يبلغ عدد العاملين بها ثلاث موظفين باعتبار رئيس الهيئة، وهذا من شأنه أن يعطل عمل الهيئة، ويجدر التطرق ايضًا انه عند التعامل مع الهيئات يغيب عنصر الليونة حيث انه للحصول على بيانات معينة لتدعيم الأجوبة فإنه لابد من ارسال مطلب النفاذ إلى المعلومة على عكس التعامل مع البلديات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *